كتب المركز العربي واشنطن دي سي أن الحرب في السودان، التي دخلت عامها الثالث، تشكّل أكبر أزمة إنسانية مُسجّلة، وأسرع أزمة نزوح جماعي في العالم، مع نزوح أكثر من 12 مليون شخص واحتياج 30.4 مليون مواطن (أي أكثر من نصف السكان) للمساعدات الإنسانية.

 

يركز هذا الحدث على دور الحركة الشعبية المدنية المؤيدة للديمقراطية في السودان، مسلّطًا الضوء على اللجان الشعبية وشبكات المساعدة الذاتية التي ظهرت بعد انقسام البلاد إلى مركزين للسلطة – القوات المسلحة (SAF) من جهة، وقوات الدعم السريع (RSF) من جهة أخرى – نتيجة الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023. يتحمّل المدنيون العبء الأكبر: انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، نزوح جماعي، انهيار نظام الرعاية الصحية، تجنيد أطفال، عنف جنسي، تطهير عرقي، واستهداف للعاملين في الإغاثة. ومع فشل محاولات التهدئة، خرج المجتمع المدني كرافعة إنقاذ فعلية في مناطق تعجز المنظمات الدولية عن الوصول إليها.

 

الحرب في السودان وأزمة النزوح الجماعي

 

تفجّر النزاع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع حرباً أهلية دفعت بعشرات الملايين إلى النزوح داخليًا أو اللجوء خارج البلاد. انهار النظام المدني تقريبًا؛ تسوّدت المدن، وأُغلقت المدارس والمستشفيات، وتعطّلت الخدمات الأساسية. نحو نصف سكان السودان فقدوا منازلهم، ويعيش كثيرون في خيام أو ملاجئ مؤقتة، بلا مأوى دائم.

 

انهار تسجيل المواليد والوفيات، ما أجهض أي سجل رسمي لحياة الناس أو حركاتهم. النساء والأطفال، من اللاجئات أو النازحات، صاروا عرضة للخطر من الانتهاكات المستمرة. المؤسسات الدولية لم تلبِ الاحتياجات الهائلة، فتولّت لجان المقاومة الشعبية وشبكات الشباب المحلية تنظيم الإغاثة — توزيع طعام، ماء، رعاية طبية أولية، دعم نفسي — في مناطق خارج نطاق جهاز الدولة أو المنظمات الدولية.

 

لجان المقاومة ودور المجتمع المدني في إنقاذ الموقف

 

راحت لجان المقاومة — وهي نفس الهيئات التي لعبت دورًا محوريًا في ثورة 2019 وبعد الانقلاب عام 2021 — تحول تركيزها في 2023 نحو العمل الإنساني والإغاثي. أنشأت غرف استجابة طارئة (Emergency Response Rooms – ERRs) تعمل على تلبية الاحتياجات العاجلة في الأحياء والفروع المتضررة، وتنسّق توزيع المساعدات، وتدعم العائلات المنكوبة.

 

نجحت هذه المبادرات المحلية في ردم الفجوة التي خلّفها غياب الدولة والمؤسسات الرسمية، خصوصًا في المناطق التي يشهد فيها القتال تصعيدًا مستمرًا، أو حيث لا تستطيع المنظمات الدولية الوصول بأمان. بقوة الشباب وروح التضامن الشعبي، استطاعت هذه اللجان حماية حياة مئات الآلاف ومنع انهيار إنساني أوسع.

 

لكن مع تصاعد الحرب، واجهت هذه اللجان استهدافًا ممنهجًا: اعتقال المتطوّعين، منع وصول المساعدات، تدمير مخازن الإغاثة، وتهديدات أمنية. رغم ذلك، بقيت صامدة، وتواصل عملها تحت ضغط لا محدود.

 

آفاق الانتقال الديمقراطي.. التحديات والدعم الدولي المحتمل

 

يرى منظمو الفعالية أن مشاركة المجتمع المدني في أي عملية سلام أو أي عملية انتقالية ضرورة لا يمكن تجاهلها. لكن حتى الآن، استُبعدت هذه الكتل الشعبية من مفاوضات السلام الرسمية، بينما تواصل القوى العسكرية والميليشيات السيطرة على مفاصل القرار.

 

يطرح المتحدثون أسئلة مهمة: كيف يمكن إدماج هذه اللجان في عملية سياسية شاملة؟ كيف يجرى ضمان مشاركتها في وضع دستور جديد؟ كيف تُحقّق العدالة والمساءلة عن جرائم الحرب؟ وكيف يُمنح النازحون حق العودة والعيش الكريم؟

 

يدعو التقرير المجتمع الدولي إلى دعم هذه المبادرات المدنية، عبر دعم لجان المقاومة محليًا، تقديم مساعدات إنسانية مستدامة، وضغط سياسي لفتح حوار حقيقي يضم المجتمع المدني في أي عملية انتقالية. كذلك، يستحسن فرض آليات مساءلة، وضمان مشاركة حقيقية في إعادة بناء الدولة نهائيًا.

 

إذا ارتُكز على مشاركة شعبية حقيقية، ورغبة قيادات الحرب في تسليم السلطة، قد يُنقذ السودان نفسه من سرداب الفوضى، ويبدأ طريق إعادة بناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة.

 

https://arabcenterdc.org/event/sudans-pro-democracy-movement-the-role-of-civil-society-and-prospects-for-democratic-transition/